Mohammed Bennis (محمد بنيــس)
صَباح
صَباح
إلى أمامة
عندمَا كنتُ أمشي بينَ أشجارِ
الكْستناءِ والصّفصاف وجهُكِ كان أوضحَ
منْ غُيومِ الصّبحِ. لمْ أكنْ احتاجُ للضوْءِ
الذي يذكّرني بأنّكِ تحْملينَ ليلةً أخرى منْ
ثقَلِ غيابي. ذراعيَ كانتْ وسادةَ فزَعِكِ.
قلتُ ليلُكِ ليْلِي. ثمّ الهواءُ في مرتفعِ
الأشجارِ يحرّكُ أغْصاناً. وأنتِ تعودينَ
بأسْماءِ الطيورِ. طيلةَ النّهارِ هذهِ الطيورُ
تتردّدُ على السياجِ. لولاَ الصمتُ لوْلاكِ. بينكُما
بّورْتُو سَانْـتُو تظهرُ من كتفِ البَراكينِ
متدليةً. وأنتِ بسرْوالكِ الأزرقِ تصْعدينَ
نحوَ شُجيْرةِ الزيتونِ. ها إنّني قريبٌ من حُلمكِ
رغْمَ أني شاردٌ. تلكَ عادتي وأقصدُ
الحياةَ التي هربتْ بي. هيَ القصيدةُ كلّما
اصطدمتْ بالبحْرِ الذي يأكلُ اللسانَ.
تعرفينَ ذلكَ جيداً هذا اللسانَ الذي يعذّبني.
لمجرّدِ أنني أسمعُ. لكنّ السمعَ انفصالٌ عنْ
مكانٍ لنْ يتخلّى عنّا مهْما قطعنَا
الطرقَ بأقدامٍ مُدمّاةٍ أوببغالٍ نكْتريهَا. هوَ
الأمرُ واحدٌ. وأنَا في ليلكِ لا أكادُ
أغلقُ النّوافذَ. هل اللسانُ إلى هذا الحدّ
مسلوخٌ. هل القصيدةُ وحْدها معَ الكلماتِ
تبقَى. لعلّ السؤالَ يحْميني من تورُّمِ
الصمتِ في جسدي. وأنتِ تبحثينَ عنّي.
أنَا لستُ صديقَ نفْسي. أكّدتُ
أكثرَ منْ مرة. هذا الهواءُ يبطئُ في
غسْلِ الكلماتِ. مع الليلِ هـدأةٌ
أحسُّ نزيفَها. كلمَا اقتربتُ اهتاجتْ
يدي. سألقي المسافةَ بينَ ليلْينَا في
ماءٍ تذوبُ. لا ماءَ سوَى القصيدةِ. ها أنت ِ
تريْنني أحاذي متاهاً كلّ لحظةٍ يستأنفُ
النزولَ بي. وأُخرجُ الرأسَ كيْ أطلّ
منْ شُرفةٍ تائهةٍ معي. لأنّ وجهَكِ
كانَ أوضحَ صارَ أوضحَ. خذْ يداً. لكَ
أهديْتُها منذُ الطفولةِ. كنتُ أجلسُ بركبتيّ
العاريّتيْنِ. أنسَى أن أمشّطَ شعْري
أمامَ مرآةٍ حتّى أراكَ قبل أنْ تراني. حقّاً
كلّما فكّرتُ في حياةٍ نحنُ الحياةُ. قلتُ.
وفي كل واحد منّا سماءٌ تحاولُ أن تكونَ
مسكنَ الآخرِ لا سجْنَهُ. مجهودٌ يتكرّرُ.
بأقلّ بصعُوبةِ أحاولُ. لكنْ بصمتٍ.
هوَ البحثُ عنِ اللغةِ الأصْفَى من جميعِ أصنافِ
اللغَاتِ. نازفاً وبينَ أصابعي هبوبٌ.
أحسستُ المكانَ يبدّلُ درجاتِ ضوئهِ. ومختلطاً
يتحرّكُ. في نفسي الآنَ. أنتِ.
الصباحُ يستريحُ فوقَ مقْعدكِ الفارغِ.
رُكبتاكِ تلتمعانِ. وجهُكِ في هدوئيَ
كاملٌ. من صفحةٍ إلَى صفْحةٍ قسماتٌ وضعتْ
في صدركِ ما يحبُّ أن يرقصَ. نعمْ.
يرقصَ. أنتِ.