Yassin Adnan (ياسين عدنان)
دفتر العابر - سان فرانسيسكو
دفتر العابر - سان فرانسيسكو
كنتَ قادمًا من سان فرانسيسكو
ترمي أوجاعَكَ ودفاترَك
وأسماءَ مَنْ تُحِبّ
من نافذةِ الشيفروليت
كلُّ نوافذِ السيارةِ العتيقةِ مفتوحةٌ
الجوُّ حارٌّ قليلًا
لكنَّ السائقَ العجُوز يكرَهُ المكيِّفات
يبدو حريصًا على مُستقْبَلِ الشمسِ والهواء
في الأزمنةِ التي ستأتي
حريصًا على أن تبقى الحياةُ بهيجةً
في الوادي
الذي سطَتْ عليه الشركاتُ العملاقة
وأباطِرَةُ التكنولوجيا
في وادي السليكون ، كانوا يُسمُّونَهُ وادي بهْجَة القلوب ، تبني الرُّتَيْلا بُروجَها الصغيرةَ من عُشبٍ وأغصانْ
في وادي السليكون
العناكبُ تشرَبُ من دمِ المكانْ
عناكبُ على الأشجار
عناكبُ على جنبات الوادي
عناكبُ في الآجام
عناكبُ ترعى بين الحشائش كقُطْعانِ ماشية
عناكبُ تُعشِّشُ في الأكبادْ
وشبكاتٌ في كل مكان
تنسجُها إناثُ العناكبِ
خيطًا
خيطًا
خيوطًا رهيفةً بالغة الرِّقةِ
كأنها الفُولاذْ
في وادي السليكون
العناكبُ تسحَبُ خيطَ الفولاذ من الدَّغَلِ
إلى شبكاتِ الويب
العناكب تحيكُ خيوطها بين سيقان العشب
ورَقائقِ أشباهِ الموصِلات
بين أوراقِ شجر الغار
وشرائحِ السِّليكون
العناكبُ تنسجُ آلاف الخيوط
بين الشجر الكثيف الملْتَفّ
في سفوحِ جبال سانتا كروز
والخلايا الشمسية المصَنَّعَة
لم تكن الأيائِلُ معنيةً بما تحيكُه العناكب
للوادي
ولا ذئابُ البراري
ولا أسَدُ الكوجار
كانوا جميعًا يتجوّلون في الغابة
تمامًا كما ظلوا يفعلون منذ آلاف السنين
بين السِّنديان
وأشجارِ الغار
السيكويا العملاقةُ في غابات الشجر الأحمر
تتسامقُ
أعلى
آلهةٌ خضراءُ
من زمن الهنديِّ الأحمر
ما زالت تنقُشُ بعض وصاياها
في قلب السيكويا
في قلب الخُضْرة الشاهِقَةِ
في قلب النُّورْ
تمامًا كمن يحفظُ في السُّلْوةِ
بعضَ العَلفِ
المطمُورْ
والماغْنُوليا الدوحةُ، وزهورُ الماغنُوليا البيضاءُ الأخَّاذةُ بنتُ الدوحةِ،
تسرقُ روحَ الشمس
مِنَ الشمس
وتسكبُها فوق رُؤوسِ العشاق
شآبِيبَ شُعاعٍ
بِلَّوْريٍّ
مكسُور
كنتَ
تتمشَّى
بين الأدْغال
تتجنّبُ أغصانَ البلُّوط المسمُوم
والأرملةَ السَّوْداءْ
تتقدَّمُ في الأخضرِ مذْهُولًا
وتشيِّعُ في الغابةِ جُثمانَ الصحراءْ
لكنَّ القُرْصانةَ من كولورادو Colorado
ستهمِسُ في أُذنِكَ
بفَخَارٍ
في الحانةِ:
"أنتَ في كاليفورنيا يا عزيزي، ففيمَ ستحتاجُ العالم؟
بالله عليكْ
فيمَ سنَحْتاجُ العالم؟"
صباحُ الخير كاليفورنيا
صباحُ القُرصانةِ
دونما سُفنٍ
تغزو المحيطَ الهادِيَّ
بلا ضوءِ فنارٍ
تداهمُ شاطئ سانتاكروز
فجرًا
عاريةً
عَزْلاء
صباح الخير يا موجَ الشاطئ
صباح الشعر
والشُّعَراء
في الCity Lights ، في مكتبةِ "السيتي لايتس" الأشهَرِ في سان فرانسيسكو، هنالِكَ في "النورث بيتش" North Beach، التقيتُ العِصَابةَ فرْدًا فردًا صباحَ الأحد. ليس لقاءً، لكني تخيلتُهم يشرَبُون كأسَ الضُّحى بمقهى "فيزوف" Vesuvio. وفي الزقاق الصغير الممتدِّ ما بين "أضواء المدينة" والحانة المعتمة، كانت فتاةٌ بعينين ناعستين تغنِّي بوب ديلان Bob Dylan
صينيٌّ من سكان الحي الخلفي يرقصُ. والبنت تطرُقُ بابَ الجنَّةِ وتُعيد. وتعزفُ. تطرقُ وتغني. والقيثارة تنشِجُ بين أنامِلِها والمارة يقفُون قليلًا. البعض يغنِّي معها والبعضُ يُشاغِب رقصَ الصينيِّ المترنِّحِ. الزُّقاقُ السُّوقُ يغصُّ برُوادٍ من زمن الشعراء. بنتانِ تبيعان الرِّيشَ وأحلامَ الهنود الحمر. صَبِيةٌ حُبلى، بالكاد تجاوزت العشرين، تُدخِّن بجنونٍ وتعرضُ قُبَّعتَينِ وفُستانًا.بائعُ كتبٍ وغَلايِين. والراقصُ الصينيُّ يبدو حُرًّا سكران. هو لا يعرفكم، أشكُّ بذلك. لكن القيثارة كانت تنشِجُ بين أنامل عازفةِ العاشرة صباحًا
فتعالوا نطرقُ بابَ الفردوْسِ
تِباعًا
يا شُعراءَ سان فرانسيسكو
الوحدةُ ليست مكسيكيةً دائمًا
يا جاك كيرواك
لكنني لستُ الغريبَ الحَزين
والأصدقاءْ
لم يموتوا داخِلي بَعْدُ
وأنا هنا أقرأ ديوانكَ في الطابق العُلْويِّ من ال City Lights
وأطلُّ من الكُوةِ
بين القصيدةِ والأُخرى
فالبنتُ في الزقاقِ المجاورِ ما زالت تُغَنّي بوب ديلان
للحياةِ طعمُ خُصومَةٍ صباحيةٍ بين حبيبين مَلُولين
يا ديان دي بريما
لكنني لا أجدُ من أخاصمُهُ الآن
هنا
في الطابق العلوي
من صباحِ الأحَد
والبنتُ في الزقاق المجاور ما زالت تُغَنّي بوب ديلان
إنما
كمِ الساعةُ الآن؟
"بوكوفسكي (لُطْفًا) كم الساعةُ الآن؟"
البنتُ التي كانت تغنّي بوب ديلان
رحلَتْ
أبوابُ الجنّة مُوصَدةٌ فيما يبدُو
وأنتَ
كأنّك عُدْتَ
إلى حُلمكَ القَديم بقصيدةٍ
تُوزِّع البراكينَ
بالقِسْطاسِ
على رُبَى الجِوار
سأستغلُّ الفُرصة كي أراجعِكَ قليلًا يا تشارلز
مع احترامي لخِبْرَتكَ
وذوقِكَ في الحُروب
لكنَّ الحربَ العالمية الأولى، أبدًا،لم تكُنِ الأفضَلَ
بعد رحيلكَ اندلعَتْ حروبٌ
أكثرُ رومانتيكيةً
وقَذارة
اسمح لي بأن أُراجِعَك
لا ألومُكَ
ففي الحياة نتحدَّثُ عمّا عِشناه
عمّا شاهدناهُ في الأفلام
وقرأناهُ في الكُتُب
لكنَّ الأجملَ
والأكثرَ قذارةً
يبقى دومًا قيْدَ الظنِّ
خارجَ اليَقِين
شهَواتُ الملاعين
لا تُحقِّقُها الملائكةُ يا تشارلز
ونحنُ أغبياء
نتُوقُ عبثًا إلى لَمْسةِ الملاك
في مدينةٍ يسْكُنُها الجِنّ
أما البنتُ التي كانت تغني في الزقاقِ المجاور
فقد رحَلَتْ
رحلتِ الصَّبِية الحُبلى
رحلَ المترنِّحُ السَّكران
وبائعُ الكتبِ
والغَلايِين
ياه
ما أحلى العوْدَة لولا الطريق
ما أقسى العودَة
لولا
الطريق
ثم عُدْتَ إلى عُشْبِ قيلولتكَ
بين جَريدِ النخل
وأشجار النارنج
والرُّمَّان
قلتَ: سلامًا مراكش
سلامًا
يا أُمَّ البَساتين
كنتُ ظمْآنَ فقصَدْتُ الوِرْدَ:
أيُّها الوِرْدُ زِدْني عطشا
فدمي لوَّنَهُ الماءُ
دمي لوَّثَهُ
الماءْ.