Asmaa Azaizeh
ظننت أني أدخل الغابة وحدي
ظننت أني أدخل الغابة وحدي
ظننت أنّي أدخل الغابة وحدي
أنا التي أشفاني شرّ الحبّ من بشريّتي
أصبح حيوانة أليفة. ألمّع أنيابي أمام المرآة، لكني لا أنتظر فريسة. أزيد نظراتي حدةً لأكون أقدر على البكاء. أدرّب الشمّ على رائحة الموت لأتهجّى الأخبار وأحزن على ضحاياها كالبشر.
نبذني أبناء جنسي. فُضحت يوم تحوّلت ابتسامتي لهم إلى عواء طويل، حسبت قلوب الرجال طرائد فانقضضت عليها، وأكلت أبنائي قبل أن يولدوا.
نبذني أبناء الخرائط المعاصرة حين حاولت إقناعهم بأن قتلنا ضرورة كي تستمرّ الكرة الأرضية بالدوران. وبأن الاحتلال يومُ صيدٍ موفّق ليس إلا. فضحتني يوم تسللتَ إلى حلمي وكنت أشاهد أسدًا يمزّق جلدك دون أن أكترث.
نبذني الفلاسفة القدامى يوم قلت إن الأخلاق بدعة. يوم لم أفغر فمي أمام بندقيّة الإسرائيليّ، وقلت إنني لو كنت مكانه لفعلت الشيء نفسه.
سألتك يوم التقينا أوّل مرّة إذا سرقت المدن المتحضّرة حيوانيّتك، إذا خلع موظّفو البنك أنيابك، وهندم المنفى قبّة قميصك. لكنّي فضحتك يوم هجمتْ نحوي قطعانك في المطار ثمّ لوّحت لي بأنيابها لتقول وداعًا.
ظننت أني أدخل الغابة وحدي يوم وجدتك، تنحت قرن ظبي بأزاميل الغربة، ومن حليب الوحدة ترضع صغار الذئاب.
معًا نتسلّق جبال الخوف أنيقَين
معًا نتدحرج منها مثل مقاتلين انتحاريين
مثل سكارى ثقيلين
هل تعلم ما هو الانتحار؟
هو أن نلفّ أعناقنا بحبال الحيرة
في كيّ رايات نصرنا أو في تنكيسها
أنا لا أريد أن أنتصر
ليس على الشرّ على وجه الخصوص
لا أريد أن أموت فحسب
بعد أن نكست اللغات الساميّة حروف العطف في عربيّتي
ونكست حصص التاريخ عطفي على ضحايا المحرقة
أصبحت حيوانةً مرّة أخرى
لا أعطف في حديثي معك على شيء
سوى جلدي
مزّق الحبّ جلدي
مزّقت الحرب جلدك
ولم ننتصر
نبذتنا جماعات الخير والرفق بالحيوان والحفاظ على البيئة
ودخلنا الغابة لئلا نموت بينهم، لئلا نتوهّم مثلهم بأن الإنسانيّة في المعاجم تعني الخير، وبأنّ الحروب جرائم وليست صراعًا على البقاء.
يا جماعة الشرّ
سوف أتبعكم مثل توبة ذئب نصوحة
مثل أفعى تبدّل جلدها دون أن تتألّم
مثل أرض يُحرث وجهها دون أن تشتكي
حرث الحبّ وجهي
حرثت الحرب وجهك
ظننت أني أدخل الغابة وحدي يوم وجدتك. يوم جفّ دمك في الشمال. يوم جفّ دجلة في وجهي. يوم انبسط جبل الطور في وجهك. يوم سقطت سماء منفاك في وجهي. يوم انكمش مرج بن عامر في وجهك، يوم كان الحرّاثون يغلون الاسفلت ويسقون فيه ورد حديقتنا
الحديقة الأليفة تصبح غابة
والغابة تصبح رحمًا
تجنّبت الوقوع في الحبّ مرة أخرى فدخلت رحم ذئبة. وجدتك هناك مستصرخًا، بعد أن طرحك إخوتك في آبار الشمال.
كانت حبالي هزيلة
ودلوي مثقوب
وكنت أظن أني أدخل الغابة وحدي
يوم وجدت الذئاب تنتشلك
وترضعك حنّانة منّانة
أيها الشرّ
يا صريخ المستصرخين
ويا غياث المستغيثين
إنّا نتبعك مغمضين خرسانًا كالأجنّة
ونولد من رحمك نعوي
أسمع عواءك كأغاني الحبّ، أتذكر قطعانك التي ترفرف في خاصرتي، أتذكر صغار الذئاب الذين أرضعتهم فأغير رأيي في الإنجاب وأكره البنوك. أسحب أموالي التي أودعتها فيها، وأودع فيك شراستي.
صوتي الذي يظنّه الناس صوت رجل، أسكب صلابته في حفر دفترك الذي دمّرته البراميل، فأتمشّى فوق قصائدك وأسمعها تأن تحتي كالقبور.
أخرس الحبّ صوتي
أخرست الحرب صوتك
ولم ننتصر
تنصب لي كمينًا على الطاولة. ولساعاتٍ تنتظر اللحظة الحاسمة، حين سأنظر إليك كالبشر دون أن أحذرك من العبث في قلبي كلّ دقيقة، تثقل ثقتي فيك، فتتثاقل حركتي، وتصطادني.
يوم صيد موفّق ليس إلا
اصطاد الحبّ أيامي
اصطادت الحرب أيامك
الأيّام تتكاثر في تقويم البشر كالأرانب. وفي تقويم الغابة تصير أشجارًا. أريد لأيامك أن تلتفّ وتتعقّد، أن يصير الماضي والمستقبل جذعًا واحدًا. فلا يشدك الماضي نحو خدر الذكريات ولا الحاضر نحو الصحو الزائد عن الحاجة.
ذكرياتك خدرٌ، أشعر أنّ أحلامي عجوز خجولة أمامها.
منفاك صحوٌ. ماء بارد على الوجه.
أريد لأزاميلك أن تصير عجينة في يدي، أن يصير حليبك المرّ عذبًا في دلائي التي رقّعتها بالخوف عليك.
خدّر الحبّ يدي
خدّرت الحرب يدك
لم نعد قادرين على صفع من كان يتوجب علينا أن ندير له خدّنا الأيسر.
ندير الكرة الأرضية فتطلب المزيد من الدم
ندير المرايا فنبدو بشرًا في ظهورها
ندير الآبار فتطلب جسدك
ندير حروف العطف فتصبح حروف نداء
ننادي الغابة فتزحف نحونا
دخلناها، أمنين كالأرحام، صبورين كاللغة، أنيقين كالحب، شجعانًا مثلها
و
ل
م
ن
ن
ت
ص
ر